المهندس المعماري ماهر دعبول يقدم رؤية متعمقة لعملية إعادة الإعمار في سوريا، استنادًا إلى خبرته الأكاديمية في ألمانيا، البلد الذي تحول من الدمار بعد الحرب العالمية الثانية إلى قوة عالمية. يؤكد دبول أن نجاح إعادة الإعمار في سوريا لا يكمن فقط في إعادة بناء الهياكل، ولكن في عملية شاملة تتطلب دروسًا من التجارب الدولية السابقة.
الفرق الأساسي: إعادة الإعمار مقابل إعادة البناء
يبدأ دابول بتوضيح الحاجة إلى التمييز بين مفهومين أساسيين:
- إعادة البناء (الطريق إلى الوطن): ببساطة إصلاح ما تم تدميره من حيث المباني والبنية التحتية.
- إعادة الإعمار (إعادة الإعمار): عملية شاملة تتجاوز الهياكل المادية لتشمل إعادة بناء المؤسسات والاقتصاد والنسيج الاجتماعي والتماسك بين الأفراد. وتتطلب هذه العملية تضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المحلي والمنظمات الدولية والأفراد.
أربعة دروس تاريخية لإعادة الإعمار الناجحة
بعد تحليل التجارب الدولية الناجحة والفاشلة، يستخلص المهندس دبول أربعة دروس رئيسية يجب أن تتعلمها سوريا:
- إعطاء الأولوية لبناء الثقة (تجربة رواندا): في أعقاب الإبادة الجماعية عام 1994، أدركت رواندا أن إعادة الإعمار يجب أن تبدأ بإعادة بناء الثقة المحطمة والنسيج الاجتماعي. نجحت البلاد من خلال إطلاق محاكم «غاكاكا» المجتمعية للمصالحة وبرامج العمل الاجتماعي «أوموغاندا» لتعزيز الشعور بالانتماء والمسؤولية المشتركة. الدرس: بناء الثقة والتماسك الاجتماعي هو الخطوة الأولى.
- إشراك المجتمع المحلي (تجربة هايتي): على الرغم من تدفق المساعدات الدولية بعد زلزال عام 2010، فشلت العديد من المشاريع في هايتي لأنها تفتقر إلى الملاءمة لاحتياجات السكان المحليين وثقافتهم. الدرس: يجب إشراك المجتمع المحلي في كل خطوة لضمان ملاءمة المشاريع.
- الاعتماد على القوة المحلية (تجربة اليمن): أدى الاعتماد المفرط على الشركات الدولية بعد زلزال 1982 إلى تأخيرات كبيرة وزيادة التكاليف. وعلى العكس من ذلك، حققت المبادرات المجتمعية التي اعتمدت على المواد والخبرات المحلية نجاحًا أكبر وأكثر استدامة. الدرس: الاعتماد المفرط على الشركات الدولية يسبب التأخير؛ الاعتماد على الخبرة المحلية.
- جهود متضافرة من الجميع (تجربة ألمانيا): كان التعافي الشامل لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ممكنًا فقط من خلال جهود متضافرة من الجميع، مع مشاركة كل فرد بنشاط في إزالة الأنقاض وإعادة التدوير، مما عزز روح التضحية والانتماء. الدرس: تبدأ إعادة الإعمار بتوحيد جهود الجميع.
ما هو المطلوب من كل مواطن سوري؟
يرى المهندس دعبول أن إعادة الإعمار عملية شاملة تبدأ بإدراك المواطنين لدورهم الأساسي، ويدعوهم للمساهمة بخمس طرق:
- ساهم بخبرتك ومعرفتك: شارك معرفتك ومهاراتك لإفادة الآخرين، بغض النظر عن مصدر تلك الخبرة.
- ساهم بجهدك وتطوعك: تطوع بوقتك في المبادرات العلمية أو الخدمية أو الخيرية، فكل ساعة من وقتك تحدث فرقًا.
- المساهمة مالياً: دعم التنمية والمشاريع المجتمعية والمنظمات التطوعية.
- المساهمة من خلال الالتزام بالقوانين: كن ملتزمًا باللوائح والقوانين، خاصة في المراحل المبكرة عندما تكون الرقابة الكافية غير موجودة.
- ساهم من خلال نشر الأمل: كن مصدر إلهام لمن حولك، حيث أن نشر الإيجابية والتفاؤل هو مساهمة كبيرة تحدث فرقًا كبيرًا.
أسباب التفاؤل في التجربة السورية
ويختتم دابول بعرض ثلاثة أسباب للتفاؤل فيما يتعلق بنجاح رحلة إعادة الإعمار في سوريا:
- المرونة والتميز السوري: لقد أثبت السوريون قدرتهم على التكيف والتفوق في مختلف البلدان والثقافات التي استقروا فيها، سواء كطلاب متميزين أو محترفين مبدعين.
- شغف الشباب السوري: أظهر الشباب داخل البلاد شغفًا كبيرًا بالتطوع والمبادرة المجتمعية في ظل أصعب الظروف.
- الخبرة المكتسبة: لقد اكتسب السوريون خبرة واسعة في مختلف المجالات والثقافات من خلال التعرض لحضارات متعددة، مما جعلهم ركيزة أساسية وأصلًا لا يقدر بثمن لإعادة الإعمار الشامل.
المهندس دعبول يؤكد أن سورية اليوم تقف أمام فرصة تاريخية تتطلب كل عقل مفكر وكل قلب ينبض بالأمل، مؤكداً أن معا، يمكننا تحويل الدمار إلى نهضة واليأس إلى أمل.